المخاطر البركانية

     تُعد الحقول البركانية واحدة من أبرز معالم التاريخ الجيولوجي بالمملكة العربية السعودية. و تمتد هذه الحقول، والمعروفة بإسم الحرات، من اليمن جنوباً إلى الشام شمالاً عبر المناطق الغربية للمملكة. و هي تنتمي لحقب الحياة الحديثة و تضم مواد بركانية مختلفة تتابع تدفقها إلى سطح الأرض منذ عصر الأوليجوسين، أي قبل ما يقرب من 30 مليون سنة، و حتى الهولوسين (العصر الحديث). و ترتبط نشأة هذه الحقول البركانية بتكوين منظومة أخاديد البحر الأحمر، وخليج عدن، و أخدود شرق أفريقيا حول بقعة الوشاح الساخنة بعفار في إثيوبيا، و ما أعقب ذلك من تكوين صُهارة في أعماق الأرض و إنفصال الجزيرة العربية عن أفريقيا. وتضم الحرات بالمملكة حرة السراة، و حرة البرك، و حرة البقوم، و حرة نواصف، و حرة حضن، و حرة كشب، و حرة رهاط، و حرة خيبر، و حرة أثنين، و حرة الشاقة (لونيير)، و حرة عويرض، و حرة الحارة (الشام)؛ علماً بأن حرة الحارة تمتد شمالاً عبر الأردن إلى جنوب سوريا. و تبلغ مساحة الحرات بالمملكة حوالي تسعون ألف كيلومتر مربع، و تُمثل بذلك نحو 4.6% من مجمل مساحتها.

و تُعتبر حرة رهاط واحدة من أكبر الحقول البركانية بالمملكة حيث تبلغ مساحتها حوالي عشرون ألف كيلومتر مربع و تضم ما لا يقل عن 960 فوهة بركانية. و تتميز حرة رهاط بتنوع التضاريس البركانية بها و التي تتضمن طفوح اللابة، و مخاريط الرماد (السندر)، و القباب، و الحلقات الطُفِّية، و فوهات المار، و تدفقات الفتات البركاني، و الرماد البركاني. و معظم براكين حرة رهاط بازلتية، أحادية الأصل، تتباين من حيث نمط الثوران البركاني بين نمطي سترومبولي و هاواي، وهي في مجملها تنتمي إلى العصر الرباعي. و يتراوح البازلت في تركيبه ما بين بازلت أوليفيني إنتقالي و بازلت أوليفيني قلوي إلى هاوايت. و ترافق صخور البازلت في حرة رهاط صخوراً أكثر تطوراً من الناحية الكيميائية مثل الموجيرايت، و البنمورايت، والتراكايت، و التي تمثل التركيب الرئيسي للقباب البركانية، و المخاريط الطُفِّية، و لبعض التدفقات من الحمم البركانية.

و يعرف الجزء الشمالي من حرة رهاط بحرة المدينة و كان مسرحاً لأحدث نشاط بركاني موثق تاريخياً بالجزيرة العربية و المعروف بإسم البركان التاريخي. ففي الخامس من جمادى الآخرة لعام 654هـ (30 يونيو من عام 1256م)، و عقب وقوع سلسلة من الهزات الأرضية إستمرت لعدة أيام، إندلع ثوران بركاني إستمر لمدة 52 يوماً إنبثقت أثناءه و عبر شق يبلغ طوله حوالي 2.2 كيلومتراً طفوح اللابة و نافورات النار. و كان من أبرز الأحداث في تلك الأثناء إندفاع طفوح اللابة شمالاً لمسافة 23 كيلومتر لتقف على بعد ثمانية كيلومترات فقط من المدينة المنورة. كما نتج عن ثوران البركان تكوين ما لا يقل عن سبعة مخاريط بركانية يحيط بها رواسب من الرماد البركانى المتساقط. و في أحدث الدراسات المتعلقة بالبركان التاريخي، تم تقدير قوة الهزة الأرضية التي سبقت مباشرة ثوران البركان بنحو 4.4 درجة بمقياس ريختر، و كذلك تقدير أقصى إرتفاع بلغته نافورات النار في عنان السماء بنحو خمسمائة متر على الأقل. و يمثل نمطي سترومبولي و هاواي اللذان أظهرهما ثوران البركان التاريخي النمطان الأكثر إحتمالاً في المستقبل لأي ثوران بركاني محتمل في حرة رهاط. و تدل كتابات أبو شامة المؤرخ المعاصر لثوران البركان التاريخي على أن ثوران البركان و ما صاحبه من هزات أرضية لم يتسببا في أي خسائر في الأرواح أو إلحاق أضرار جسيمة بالممتلكات.

و تمثل حرة هُتيمة، و مثيلاتها مثل حرات كشب، و البرك، و تهامة عسير، أهمية خاصة في فهمنا لتنوع أنماط الثوران البركاني في المملكة. حيث أظهرت دراسة بعض مراكز النشاط البركاني بها، مثل فوهة الوعبة (مقلع طمية) بحرة كشب، حدوث ثورانات إنفجارية عنيفة ناتجة عن تفاعل الصهارة الصاعدة نحو السطح مع تجمعات سطحية أو تحت سطحية من المياه مثل البحيرات و مكامن المياه الجوفية. و بالتالي، لايمكن إستبعاد هذا النمط من الثوران الصهيري المائي العنيف من الحدوث و لو لفترة وجيزة خلال المراحل الأولى من أي ثوران بركاني محتمل و بخاصة في بعض المناطق الساحلية حيث تتواجد السهول الطميية السميكة أو في أماكن تتميز بوجود مكامن سميكة نسبياً من المياه الجوفية.

صورة فضائية للجزء الشمالي من حرة رهاط و المعروف بحرة المدينة

البركان التاريخي بحرة رهاط

جبل قدر و الجبال البيضاء بحرة خيبر

فوهة الوعبة (مقلع طمية) بحرة كشب


آخر تحديث
9/27/2018 12:55:16 PM